الأستاذ نورالدين الرياحي
وقفة المحامين اكبر من افراغ مكتب و اجل من تبليغ رسالة و أعظم من وقفة في شمس كرونا .هي محطة في التاريخ القضائي .
لها ما قبلها و بعدها. ..
ينبغي التمعن فيها و اخذ العبرة منها و معالجة مطالبها بالسرعة و الجدية و الانكباب على مشاكلها و ايجاد حلول عاجلة و مسؤولة عنها كشريكة مسؤولة عن الأمن القضائي للمملكة و إعادة الاعتبار لها ، فهي التي شرفها جلالة الملك محمد السادس بارتداء بذلتها التي اصبحت صورته في كل مكتب من مكاتبها رمزا من رموز الحماية الملكية لها .
و هي التي قال عنها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني الذي كان يتمنى لو لم يكن ملكا أن يكون محاميا :
“ان مسؤولية المحامي لا تقل عن مسؤولية القاضي ، في الحفاظ على مقومات العدالة ، و إن حرمتها من شأنها أن تصون المواطن العربي، و تحمي حريته، و تؤمن حقوقه ، و تمنع عنه غوائل الظلم، بجميع أشكاله و أنواعه، في هدي المثل العليا ، لمهنة المحاماة ، الزاخر رصيدها بتقاليد راسخة ، و أعراف عريقة ، أثرت الفكر الإنساني بعطاء وافر من المبادرات الرائدة و المواقف الصامدة ، و المبادئ القيمة التي ظلت عبر الحقب و العصور ، و في مختلف البقاع و الأمصار مثالا يحتذى في رفع المظالم ، و جلب المكارم ، وميضا لا يحبوا اشعاعه ، و لا تنطفئ شعلته دفاعا عن الحق و المقدسات و حماية للمؤسسات ، و درعا واقيا من كل مساس بالأسس و المكتسبات ”
(من الرسالة الملكية إلى المؤتمر الثامن عشر لاتحاد المحامين العرب المنعقد بالدار البيضاء ايام 20 ،23 ماي 1993 ).
و هي التي قال عنها جلالة الملك المغفور له محمد الخامس :
يوم الثلاثاء 02/10/1956 بمناسبة تدشين دورة 1956-1957 لمحكمة الاستئناف العصرية بالرباط:
” … و كذلك يطيب لنا أن ننوه برجال هيأة المحاماة الذين يشاركون باجتهادهم و استنتاجاتهم بنصيب ملحوظ في بناء صرح العدل. و إننا نحن مقبلون على الإصلاح العدلي الذي ذكرنا نود أن نطمئن هؤلاء و اولئك على أنهم يجدون من دولتنا كل عون و تأييد و أن مملكتنا جريا على تقاليدنا العريقة في إكرام ضيوفنا سوف لا تألوا جهدا في إعزاز شأنهم و إحاطتهم بجميع أنواع التوفير و الإحترام “.
فماذا وقع في الدار البيضاء لينتفض الالاف من رجالاتها و نسائها و نقبائها و قيدوميها شبابا و شيوخا في جمعة حارقة في زمن كرونا، ربما في أكبر وقفة وطنية إن لم نقل عالمية في العصر الحاضر ؟ لربما لم تبلغ وقفة عدد الالاف من المحامين ببذلهم في الكرة الأرضية يوما هذا العدد .
و ماذا أصاب حرمتها و توقيرها الذي ضمنه لها ملوك المغرب الضامنين لعدالة رعاياهم؟
و ماذا دفع نقباؤها إلى توجيه رسائل مباشرة عن أوضاعها دق ناقوس الخطر منذ اجتاحت هذه الجائحة بلادنا؟
انه لا يمكن تصور عدالة قوية و نزيهة و كفأة بدون رسالة محترمة للمحامي ، و لا يمكن لهذا الاخير أن يعتبر ما يقوم به مجرد حماية مهنة بل هو انخراط في رسالة و قيم لا يفصلها عن عدالة السماء إلا مشيئة الله الذي حرم الظلم على نفسه و حمل مسؤولية الدفاع عنه لرجال مهنتها أمام مجلس القضاء الدنيوي قبل المحاسبة على الأمانة يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
لماذا اهتزت منابر المحامين في جميع النقابات اهتزاز رجل واحد ؟
لماذا اعتبر المحامون بأن وقفتهم يجب أن تجرى و في اقرب وقت و ضحوا بحياتهم في زمن كرونا و اعتبروها هينة أمام المصاب الجلل الذي جسدته الواقعة ؟
لماذا جاءت الوقفة تلقائية كأنها دفاع مقدس على بذلتهم استلذوا بها الموت دفاعا على الكرامة ؟
فكأنها اللغة العربية تبسط شكايتها على لسان حافظ ابراهيم :
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ
بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى
وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ
مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بممات
فممات المحاماة لا قيامة بعده و لا يجرؤ أي أحد على تصوره لأنه موت عدالة بكاملها .
كيف يمكن تصور مهنة اختيرت رجالاتها من الحاج احمد زروق اول محامي و وكيل عام للملك في المغرب كما هو مكتوب على قبره في مقبرة الشهداء بالبيضاء الى المعطي بوعبيد الى عبد الرخمان اليوسفي الى عبد الرحمان الخطيب إلى امحمد بوستة الى عبد الفادر بن جلون إلى رضااجديرة إلى الطيب الناصري الى محمد بوزبع الى عمر عزيمان الى مصطفى ارميد للنيابة على ملوك المغرب في ترؤس المؤسسة الدستورية للمجلس الاعلى للقضاء و تعيين القضاة و ترقيتهم و الاشراف على العدالة و ترؤس أمورها و التصرف في ميزانيتها و القيام بإصلاحها و تعيينهم وزراء و ولاة و عمال و قضاة أن تجد نفسها واقفة وحيدة اليوم فقط ببذلتها في حر الشمس و هي تجسد تاريخا لهذه الاسماء .
لقد حكى لي المرحوم الاستاذ محمد التبر يوما في منزلي أن قاضي التحقيق المرحوم عبد المجيد بن جلون قبل ان يصبح وزيرا للاعلام و وكيلا عاما لدى المجلس الاعلى و هو يحقق في قضية أمن دولة استدعاه للاستماع اليه حول أحد العقود التي حررها في مكتبه ، و كان قضاء التحقيق بصدد توجيه تهمة اليه و طلب منه الانتظار للبت في مصير حريته ، فناداه المرحوم عبد المجيد بن جلون قائلا :
لما بلغ إلى علم جلالته بأنك سوف تكون مع المتابعين اعترض على ذلك لأنك محاميا مقتدرا و قال جلالته :
هلا تركتم لهؤلاء المتهمين محاميا بارزا يدافع عنهم لضمان محاكمة عادلة ؟
وفعلا نصب ذ محمد التبر ضمن هيئة الدفاع آنذاك على المتهمين .
كيف لمهنة كانت دائما في مقدمة القضايا الوطنية المصيرية حاضرة للدفاع عن وحدثنا الترابية و مجالس القضاء و ثوابت الأمة و المساهمة في كل المناسبات بالغالي و النفيس آخرها ما ساهمت به صناديقها المتواضعة بمبالغ فوق طاقتها لتعبر عن تضامنها مع قضايا المواطن و الحذو حذو قائد البلاد و متشبعة بسنته ، و تجندت مضحية بحياتها في قاعات المحاكم و ردهات السجون و دهاليز المخافر للتشبت بضمان المحاكمة العادلة و اعانة السلطة القضائية و الحكومة على إيجاد حلول في التغلب على هذه الجائحة اللعينة أن تقف وقفة مظلوم و هي التي حمت المظلومين و لم تتكالب يوما ما عن دورها في القيام بواجبها حتى في أحلك الظروف ؟
لقد دافعت عن الوزراء و القضاة و الصحافيين و رجال الامن و السياسيين و رجال السلطة و جميع طبقات المجتمع دون أن يغمض لها جفن أو أن تتقاعس عن القيام بمهمتها و لو قيد أنملة؟
لقد شاءت و شاء لها قدرها اليوم أن تكابد جروحا المت بها من جراء قيامها بهذه المهام النبيلة جروح لا يد لها فيها و مع ذلك صبرت عن آلامها و صبر شبابها و شيوخها على نزيف دمائها آملا في إرجاع الأمور إلى نصابها ، لكن أن تعمق هذه الجروح بقصد او دون قصد ، كان لابد لها أن تنتصر في المعركة لحقها و أن تطالب به ، فالكل اليوم مطالب بالمساهمة في الوقوف بجانبها ، و حذاري ثم حذاري أن نترك من ساندنا يوما في المعركة و ضحى بحياته و ماله و وقته و علمه وحيدا في ساحة المعركة لان ذلك سيكون جبنا فالجبان يموت عدة مرات قبل أجله ، أما الشجاع فلا يموت الا مرة واحدة كما قال شكسبير ، فحذار من موتة المحاماة و جبن المدينين لها لانها أعطت و لم تأخذ و ضحت و لم تطلب المقابل و ترافعت دائمآ عن المقابل ، إنه وقت الاعتراف بالجميل و رد الدين لرسالتها النبيلة و لرجالها و نسائها العظام .
و لمن لا يعرف ذ الطالبي الحسين الذي انتهكت حرمة مكتبه فانبثقت بسبب ذلك شرارة انتفاضة المحامين .
عرفت الاستاذ الطالبي الحسين عندما التحقت بالقضاء الواقف سنة 1979 بمحكمة الدار البيضاء عندما كانت محكمة موحدة و كان قيدومي في النيابة العامة .
و قد اختارني لاتقاسم معه المكتب رغم صغر سني و شرفني بذلك و انا قاضي مبتدئ .
كان في عنفوان شبابه المهني قاضيا معتزا بكرامته و استقلالية قراراته.
حدث أن عين المرحوم المكي نوشريف وكيلا عاما باستئنافية الدار البيضاء عقب وفاة مفاجئة للوكيل العام السابق لدى محكمة الاستئناف المرحوم الطيب الشرفي .و اقتضت المصلحة العامة أن يصطحب المرحوم المكي نوشريف مجموعة من نوابه إلى محكمة الاستئناف لتشبيبها و ترك المجموعة الأخرى لتأطير النواب الجدد و كان من بينهم الاستاذ الطالبي الحسين المعروف بتكوينه العميق في مجال كتابة الضبط لكونه كان منتديا قضائيا قبل التحاقه بالقضاء فنائبا لوكيل الملك مع مجموعة من جهابذة القضاء الواقف أمثال الاستاذ مصطفى مداح الذي سيصبح وكيلا عاما لمحكمة النقض و الاستاذ مولاي التهامي المتواضع و الاستاذ سعيد الياسيني و الاستاذ الطيب انجار رئيس الغرفة الجنائية الأولى و الاستاذ الطيب الشرقاوي الذي سيصبح وزيرا للداخلية و الاستاذ المرحوم الحنفي عبد الله و الاستاذ المرحوم امنزول محمد و الاستاذ ابو بشر عبد الرحمان و و الاستاذ محمد زهران و الاستاذ جلال مصطفى و المرحوم الاستاذ الزواغي مصطفى و الاستاذ الطيب الازرق و الاستاذ صلاح عبد الرزاق و الأستاذة عتيقة السنتيسي و الأستاذة المرحومة آسية الوديع و الأستاذة المرحومة زينب شوقي و الأستاذة آمنة الجيراري و الأستاذة فتحي الإدريسي و الأستاذة الفاسي الفهري سلوى و مجموعة من القضاة و القاضيات و مجموعة من النقباء و المحامين الذين عاصروا هذا الرعيل أمثال الاستاذ عبد العزيز بن زاكور و النقيب المرحوم الاستاذ الطيب الناصري و الاستاذ النقيب ابراهيم السملالي و الاستاذ النقيب عبد الله درميش و الاستاذ النقيب محمد الشهبي و ذ الطيب البواب و ذ باكو و النقيب ذ محمد حسي الذي كان يرتوي من معين هذه المدرسة رفقة النقيب ذ ودرا و ذ موافق الطاهر و ذ صبري و ذ ضرغام و ذ محاسني و غيرهم من الزملاء و الزميلات من القضاة و المحامين ما بين سبعينات القرن الماضي و ثمانينياته و كانت المحكمة الابتدائية يترأسها الفقيه العلامة الاستاذ امحمد بناني بمعية نوابه الاساتذة عبد العزيز توفيق و ذ العبادي و ذ سعيد بناني و فقيه مسطرة الشغل ذ مولاي يوسف الإدريسي و ذ مولاي أحمد العلمي فقيه الاحوال الشخصية و الاستاذ عبد السلام المنصوري قاضي القاصرين و الاستاذ عبد السلام الدقيوق و الاستاذ التجاني بنفس القسم و الاستاذ احدية محمد و الاستاذ احمد الحراث و الاستاذ واعزيز محمد و الاستاذ حسن بن عيش و الاستاذ بوجيدة عبدالله و الاستاذ الطلفي رئيس غرفة الجنايات و الاستاذ بوبكر البودي و الاستاذ عبد اللطيف مشبال و الأستاذة المديني و الأستاذة رشد و الأستاذة فوزية هروس و مجموعة من القضاة و القاضيات الذين كانوا يقومون بأعباء هذه المحكمة مع كتابة ضبط في النيابة العامة يترأسها المرحوم النتيفي و الاستاذ السنتيسي و الاستاذ كوكب و الاستاذ حاجب و الاستاذ هاجر في قسم الافلاس و الأستاذة بناروش و مجموعة من القضاة العبريين.
و كان الجو السائد في المحكمة مبني على أعراف و تقاليد رصينة و ضاربة في عمق التاريخ القضائي بين أسرة العدالة التي كانت أسرة بكل ما في الكلمة من معنى اذا اشتكى عضو تداعت له باقي الأعضاء .
و حدث أن التحق المرحوم محمد العزوزي كوكيل الملك من فاس ليترأس النيابة العامة بالدار البيضاء مكان المرحوم المكي نوشريف الذي التحق بمحكمة الاستئناف ، و كانت له طبيعة أخرى في العمل تقزز منها بعض النواب الذين عملوا مع المرحوم مكي نوشريف فادى خلاف في الرأي و الاجتهاد أن انتقلوا إلى محاكم أخرى مفضلين كرامتهم و احترامهم لطبيعة عملهم و كان من بينهم الاستاذ الطالبي الحسين الذي لم يفضل فقط الانتقال و انما تقديم استقالته من القضاء و الالتحاق بالمحاماة و قد كنت من شهود العيان الذين حضروا واقعة محاولة الكاتب العام آنذاك المرحوم حسن العوفير ثني الاستاذ الطالبي الحسين على تقديم استقالته نظرا لما عرف عنه من كفاءة مهنية عالية و نزاهة أخلاقية كبيرة و من جملة ما حاول اقناعه به آنذاك أن بعض القضاة خلقوا للقضاء و ليس المحاماة و أن غالبيتهم لا ينسجمون مع عالم الدفاع .
لكن الاستاذ الطالبي ظل متشبتا بموقفه على تقديم استقالته.
و بعد سنة واحدة من ممارسة المهنة طلب مقابلة مع الكاتب العام لوزارة العدل فظن الاستاذ حسن العوفير بأن الاستاذ الطالبي الحسين ربما سوف يتقدم من جديد بطلب لاعادة الإلتحاق بالقضاء لكن المفاجأة كانت كبيرة ذلك أنه بابتسامته المعهودة قال له جئت فقط في زيارة مجاملة و مده بمذكرة و طلب منه أن يفتحها.
و لما فتحها الكاتب العام وجد فيها ارقام العشرات من الملفات التي كان يعج بها مكتبه في ظرف وجيز و هي كناية على نجاحه في المهنة التي احبها و لم يرضخ قبل سنة لمغريات العروض التي قدمت اليه من أجل ثنيه على الاستقالة و تخييره في المحاكم التي يفضل الممارسة فيها .
و تمنى له الكاتب العام آنذاك التوفيق .
و لما سألت زميلي ذ الطالبي عن سبب هذا الموقف اجابني:
لم يكن الغرض من ذهابي إلى وزارة العدل التبجح بنجاحي في المهنة في ظرف وجيز و انما ثني السيد الكاتب العام على وجهة نظره و أؤكد له بالملموس على أن القضاة الناجحين في مهنة القضاء ينجحون في المحاماة كذلك و ذكرته بأن الاستاذ المعطي بوعبيد و الاستاذ محمد التبر و النقيب الاستاذ الجناتي و الحاج احمد زروق أول محامي و وكيل عام للملك لدى محكمة النقض كانوا قضاة و من بعد محامين و نجحوا في المهنتين.
و مارس الاستاذ الطالبي مهنة المحاماة بنجاح كبير و بكرامة أكبر و كانت لقاءاتنا في منزلي مع المرحوم ذ أمنزول و ذ الحنفي رحمهما الله فرض عين حيث كانت و لا زالت لا تفرق بيننا اختلافات المهنة و الأدوار، إلى أن تفاجأت بالحادث المروع و المؤلم الذي تعرض له مكتبه التاريخي ليس فقط بجدرانه و انما كذلك بتاريخ صاحبه ، لأن المجتمعات المتحضرة ربما تضحي في بعض الأحيان بالجوانب المادية و المكاسب الصغيرة مقابل الاحتفاظ بتاريخ المؤسسات.
ففي عز الحرب العالمية الثانية كانت تعليمات سواء من قوات الحلفاء او النازيين انفسهم تعطي تعليمات عن عدم قصف المآثر التاريخية التي اتخذها فنانون او شعراء او رجال قانون كبار مقرات لهم لأنها تشكل موروثا حضاريا للأمة كلها .
و حدث في ألمانيا العظيمة أن قصفت خطأ في بلدة صغيرة منزل أحد الفنانين و أرادت الدولة الفيدرالية تخصيص ميزانية من أجل ترميمه، فرفضت بلدية البلدة ذلك و طالبت باكتتاب رمزي يؤديه سكان ألمانيا ليشعر كل واحد بأنه ساهم في الحفاظ على تراث تاريخي لا يعود للحكومة فقط و انما كذلك للأشخاص كما أورد ذلك الكاتب انيس منصور في أحد مؤلفاته.
و لو كان هناك حس حضاري و الاعتناء بالموروث الثقافي لمدينة مثل الدار البيضاء لوقع ترميم مكتب المحامي الكبير الاستاذ الحسين الطالبي على حساب ميزانية المدينة و احتفظ بتلك العمارة من أجل تاريخ ذلك المكتب و غيره من المكاتب لأننا في يوم ما سنجد الأسمنت المسلح في المدن و لا نجد التاريخ و هكذا تصبح مدننا مواد بناء دون روح ، و ذلك سيكون منتهى التخلف ، فتاريخ العالم ، ليس هو في قراراته سوى تاريخ العظام من الرجال ، فهم المبدعون لكل ما حققه الإنسان و لكل ما نراه من منجزات ، و هو نتيجة التجسيم الخارجي المادي و العملي للأفكار التي ولدت في أذهان أولئك العظام من الرجال كما قال كارلايل.
و كم من عظام في المحاماة يستحقون مكانهم في التاريخ و ما ضر مالك العمارة اذا كان وطنيا صادقا و ما ضر مجلس المدينة أن يسموا تلك العمارة باسم المحامي الاستاذ الطالبي الحسين و تخصيص باقي شققها كمكاتب مجانا للسادة المحامين الذين هم في حاجة لذلك ، و تخصص جنباتها لانشطة هيئة الدفاع القريبة من المحكمة الام التي احتضنت تجمعهم التاريخي .
تخليدا لتلك الوقفة التاريخية لمحامي المغرب كرد جزءمن دين هذه المهنة الذي في أعناق كل مغربي و مغربية ، و يكفرون على هذا الخطأ الذي لن تصلحه محاكمة او متابعة لان جرحه عميق جدا في النفوس ، و تحتفظ ذاكرة الدار البيضاء و مجلس مدينتها بتاريخ معنوي و يدخل من شارك في هذه الحادثة المؤلمة للتاريخ عوض الخروج منه ، و كم من الوطنيين الصادقين فعلوا ذلك حبا في الوطن و في مؤسساته.
فالاجادة في العطاء أصعب من الاجادة في الأخذ كما قال نيتشه و كم نحن محتاجين للعطاء للمهنة التي اعطتنا دون مقابل و لم تطلب منا إلا الكرامة ، فرفقا بها رفقا بالمعشوقة التي عشقناها جميعا و استحينا من النظر إلى وجهها الجميل حياء منا و تقديرا و قداسة و انحينا لها في محرابها الذي يتسع للجميع ، في يوم جمعة في زمن كرونا و قد لفحت شمسه الحارة خديها فازدادت جمالا و ازدادت رونقا أمام العالم أجمع و سطع نورها من جديد و غطت شمسها مجالس العدالة .
فاسمحي لي معشوقتي فأنت غير محتاجة لأي قلم ليعدد مناقبك و لكنها قرحة حبك هي التي جعلتني اتجرأ عليك فمعذرة …..
مذكرات نور الدين الرياحي.
20 جوان 2020
المصدر : https://translogisinfo.com/?p=6098