أدخلت التكنولوجيا تطورات عميقة على مقود السيارة عبر إدراج وظائف وميزات لم تكن موجودة في السابق،ما جعلها توفر للسائق تجربة قيادة مريحة وفريدة تواكب خصائص العصر الحالي ولاسيما الأنظمة المتطورة.
ولذلك يتسابق المصنعون على الاستفادة من الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي بأقصى سرعة من أجل إدخال المزيد من الراحة والأمان والسلامة في الجيل المقبل من المركبات.
وفي خطوة عكست ذلك الاتجاه، تمكن تحالف يضم شركات فنلندية مغذية لصناعة السيارات من تطوير مقود حديث يمتاز بمفهوم استعمال يحاكي مفهوم الاستعمال الخاص بالهواتف الذكية.
ويهدف مفهوم الاستعمال الجديد بالمقود “أوريغو” إلى الحد من تشتت انتباه قائد السيارة أثناء القيادة باستعمال العديد من الأنظمة عن طريق التقنيات البديهية، التي تمت استعارتها من الاتصالات الجوالة بعد أن تمت مواءمتها مع عالم السيارات.
ويعتمد مفهوم المقود الجديد على عناصر يمكن تنشيطها باستخدام الإبهام للوصول إلى وظائف متعددة داخل السيارة.
ويتم استبدال المفاتيح والأزرار الميكانيكية بالمقود بمستشعرات لمسية ثلاثية الأبعاد، وهو ما يجعل رفع اليدين عن المقود للتحكم فيها أمرا غير ضروري.
ويعتبر هذا المفهوم أول منصة مشتركة للأبحاث والظهور تنبثق من اتحاد التفاعل المتعدد الوسائط داخل السيارة وعرض المعلومات الذكية (أم.آي.في.آي) الذي تم إطلاقه في أكتوبر الماضي.
وبدأ تنسيق مشروع بحث أم.آي.في.آي قبل عامين من طرف جامعة تامبيري الفنلندية بتمويل من مجموعة من الشركات الفنلندية العاملة في صناعة السيارات العالمية.
وذكر موقع برنتد إلكترونيكس وورلد أن هذا التحالف يضم 4 شركات مغذية هي كاناتو وسيلي أوتو ورايتوار وتاكتو تيك.
ونقل الموقع عن رئيس المطورين بوحدة تامبيري للتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر رووب ريزامو قوله “من المثير أن نرى النظام البيئي الفنلندي النابض بالحياة يتعاون بنشاط على مفاهيم تطلعية”.
وأشار إلى أن مقود أوريغو سيعرض التطبيقات العملية الناشئة عن مشروع أم.آي.في.آي، وسيكون بمثابة أساس للبحث التجريبي المستمر في جامعة تامبيري.
نظامأوريغو
تتقاسم الشركات الفنلندية الأربع المتحالفة المكونات اللازمة والتكنولوجيا المطلوبة من أجل تطوير مشروع أوريغو الرائد بمفهومه الجديد، والذي قد يعزز من منسوب صناعة أهم أجزاء السيارة.
وتوفر كاناتو مستشعرات تعمل باللمس مصنوعة من الكربون النانوي (سي.أن.بي) والتي تعمل بالشفافية بالكامل يتم دمجها في عجلة القيادة، كما يتم تشكيل تلك المستشعرات في أي شكل يوفر حرية التصميم وتجربة مستخدم رائعة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة جوها كوكونن إن “الملايين من الأشخاص يستخدمون هواتفهم الذكية يوميا من خلال الإبهام ولذلك أردنا توفير نفس تجربة المستخدم المألوفة التي تعمل باللمس لسيارات الغد”.
وأوضح أن عجلات التوجيه يمكن أن تستفيد من أدوات التحكم باللمس الفريدة والشفافة وثلاثية الأبعاد الخاصة بشركتنا، مما يتيح تشتيت أقل للسائق.
وأضاف أنه “من خلال كاناتو سي.أن.بي يمكن جعل أي سطح ذكيًا، والآن نطبق خبرتنا المتعمقة في هذه التقنية لتطوير عجلات القيادة الذكية للمستقبل من أجل تحسين التصميم والوظائف”.
وتقوم سيلي أوتو بتصميم وتنفيذ واجهة المستخدم (يو.آي) لعجلة القيادة الذكية، بحيث يتم دمج واجهة المستخدم والشكل المادي لعجلة القيادة وعناصر التحكم المبتكرة بسلاسة مع تجربة مستخدم فريدة.
ويقول فاينو ليسكينن المدير الإداري لسيلي أوتو “إن عجلة قيادة أوريغو هي أول نتيجة ملموسة تجلب تقنيات جديدة من شركاء التعاون بشكل كامل في الحياة في شكل تجربة قيادة متكاملة وغامرة”.
وأضاف “نحن متحمسون للابتكار بشكل أكبر وتقديم المزيد من الحلول عبر تجربة المستخدم التي تغير قواعد اللعبة مع هؤلاء الموردين الرائدين”.
وتتميز واجهة المستخدم لمفهوم عجلة القيادة من أوريغو يو.آي بالوسائط والملاحة وجهات الاتصال والتحكم في المناخ والسرعة التي يتم التحكم فيها جميعًا بسهولة من عجلة القيادة مع أدوات التحكم ثلاثية الأبعاد، مما يوفر تفاعلا طبيعيا يشبه الهاتف المحمول مع السيارات المدعومة أو شبه المدعومة.
ولذلك تكفلت شركة رايتوار بتوفير أدوات برنامج أتش.أم.آي الرائدة في السوق بما في ذلك كانزي يو.آي وكانزي كونكت وخرائط كانزي لتمكين التصميم السريع والنماذج الأولية وتطوير نماذج التفاعل البديهية لهذا المفهوم الجديد.
أما الشركة الرابعة في هذا التحالف، وهي تاكتو تيك، فتوفر لمقود أوريغو تكنولوجيا الإلكترونيات الإنشائية المقولبة بالحقن لتصميم وإنتاج الأسطح الذكية التي تشمل الدوائر الكهربائية وأجهزة التحكم باللمس والإضاءة في التصميمات ثلاثية الأبعاد.
ويعتبر الرئيس التنفيذي لهذه الشركة جوسي هارفيلا أن عجلة القيادة أوريغو هي مثال ملموس على النطاق الواسع للابتكار التكنولوجي في فنلندا و”نجاحنا في دمج تلك التقنيات في حل عملي ومقنع”.
سباقمحموم
خلال السنوات الأخيرة، دخل عمالقة صناعة السيارات في شراكات مع مراكز الأبحاث التكنولوجية لتطوير عجلات قيادة ذكية لكونها الجزء المهم في المركبة.
وكان باحثون من المعهد الاتحادي السويسري للتقنية في لوزان بالتعاون مع مجموعة بيجو سيتروين الفرنسية قد طوروا جهاز رصد للمشاعر يثبت على مقود السيارة، ويعتمد على تحليل تعبيرات الوجه بغية توفير المزيد من السلامة.
ورغم أن بعض الشركات، مثل فورد الأميركية، تسعى إلى الاستغناء عن المقود نهائيا في غضون سنوات، لكن الأمر يبدو مستبعدا مع قناعة المصممين بأن المقود يعتبر حجر الزاوية باعتباره أحد أهم العناصر الأساسية في المركبة.
ويمكن للمقود الحديث أن يقدّم ما هو أكثر من وظيفة التوجيه، حيث تدمج بعض الشركات مثل مرسيدس ببعض موديلاتها ما يصل إلى 36 وظيفة بالمقود كخيارات الاستعمال لأجهزة السيارة مثل السماعات ونظام الملتيميديا والاتصال الهاتفي.
وفي المقابل، ذهبت شركات أخرى لأبعد من ذلك عبر التحكم في وظائف السيارة من خلال أسطح حساسة بالمقود وأنظمة التحكم بالإيماءات والأوامر الصوتية.
ومنذ 2016 باتت مرسيدس تعتمد أيضا على أزرار تاتش كونترول للتحكم عن طريق اللمس، حيث يتم التمرير بالأصبع خلال القائمة التي يتم عرضها في قمرة القيادة.
ويمكن الوصول إلى شاشة العرض المركزية للملتيميديا عبر هذه المساحات الصغيرة المصممة بأبعاد 10×10 ملم. ومع وظيفة التحكم بالأوامر الصوتية يمكن التحكم في السيارة بالكامل تقريبا دون رفع اليد عن المقود.
وأوضح ماركوس فيجه، المطور بشركة مرسيدس، أن هذا يفيد في عدم صرف انتباه قائد السيارة عن القيادة، لذا نحرص على أن تكون عملية الاستعمال أكثر بداهة وسهولة وخالية من الأخطاء.
ولفت إلى أن الهدف من هذا أيضا هو الاستعمال الخالي من الحواجز، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لا يقدرون على التحدث.
وقال “لذا سيتم دمج أسطح حساسة للمس في المقود مستقبلا لتدرك من خلالها المستشعرات كيفية وضع اليد على المقود، وهو ما يزيد من عوامل السلامة”.
وتستشرف شركة زد.أف الألمانية المستقبل بمفهومها الجديد، الذي طرحته قبل أشهر، عبر الاعتماد على شاشة كبيرة في وسط المقود مع إضاءة وظيفية في حافة المقود. ويرى مارك شيلدرون، أحد مطوري الشركة المغذية لصناعة السيارات، أن هذا المفهوم يمثّل خطوة نحو إيجاد دور للمقود في السيارات المعتمدة على نظام القيادة الآلي.
وأشار إلى أن الإضاءة بالأحمر والأصفر والأزرق في حافة المقود تدعم التواصل بين القائد والمركبة وتحثه بصريا على اتخاذ الإجراء الصحيح.
ورغم موضع الشاشة فإن المقود لم يستغن عن الوسادة الهوائية؛ فقد تم تصميمها خلفه لتنطلق في حال وقوع حادث ما عبر حافة المقود.
وكانت شركة كورفي أس.واي.أس الألمانية قد أعلنت في أكتوبر 2018 عن ابتكار غطاء مقود يساعد في إنقاذ السائق، يأتي مزودا بمستشعرات صغيرة تقيس الضغط الواقع على غطاء المقود.
ومن خلال المستشعرات يتعرف الغطاء على ما إذا كانت يدا السائق موجودة بالفعل على المقود أم لا، ويعرف هذا النظام باسم نظام المراقبة والطوارئ إي– كول.
وبمجرد استشعار النظام عدم ملامسة يد السائق للمقود، فإنه يتم إصدار تنبيه مسموع ومرئي في آن واحد، وذلك من أجل استعادة انتباه السائق في حالة الغفوة، التي قد تحدث أثناء القيادة.
وتؤكد الشركة أنه في حال لم يستجب قائد السيارة لذلك الأمر، فإن النظام يقوم بالاتصال بالطوارئ بشكل تلقائي مع إرسال إحداثيات موقع السيارة عن طريق النظام العالمي لتحديد المواقع والمعروف جي.بي.أس.
وغطاء المقود الذي تطوره كورفي عبارة عن بنية خلايا من مستشعرات حساسة للضغط، وتتمدد بمرونة ويمكن تغطيتها، وتقوم الخامة المقاومة للبرودة والحرارة بقياس الضغط أيضا عند ارتداء السائق للقفازات.
وبفضل مستشعرات التعرف على اليدين فإن وظائف غطاء المقود لا تقتصر على مكالمة الطوارئ فقط، بل يمكن استعمال النظام لتنفيذ أربعة أوامر مختلفة عن طريق اللمس، فمثلا يمكن استعمال نظام الملاحة والنوافذ الكهربائية من خلال وظيفة التحكم عن طريق الإيماءات.
ويؤكد المختصون أنه نظرا إلى أن العديد من طرز المستقبل ستعمل على الأرجح بالطاقة الكهربائية، فإن الشركات تتطلع إلى استخدام مواد أخف وزنا للتخفيف من وزن تلك المركبات.
وتوفر شركة فولكسفاغن، على سبيل المثال، لوحة استعمال جديدة على يسار ويمين المقود مع أدوات تحكم حساسة للقائد وتنبيهات محسوسة. وسيتم اعتماد تقنية الاستعمال هذه في باكورة سيارات الشركة الكهربائية آي.دي 3 ثم في طرز أخرى وتتحقق المستشعرات الموجودة بالمقود مما إذا كان القائد يلمس المقود أم لا.
وأوضح رولاند أوته المطور لدى فولكسفاغن، أن تقنية الكشف عن اليدين تضمن أن تظل يد قائد السيارة موضوعة على المقود حتى في وضع القيادة شبه الآلي. وإذا لم يلمس قائد السيارة المقود لأكثر من 10 ثوان فسيتم لفت انتباهه بالعديد من بيانات التحذير.
ويتجه التطوير لدى فولكسفاغن نحو تقليل وظائف الاستعمال في المقود من أجل التخفيف عن كاهل قائد السيارة، لذا تعول الشركة على الاستعمال بالإيماءات والأوامر الصوتية، مع العمل على تطوير التحكم بالأوامر الصوتية ليصير أفضل وأكثر ذكاء بحيث يمكنه دعم قائد السيارة بسهولة وأمان أكبر.
المصدر : https://translogisinfo.com/?p=5244