أظهر قرار بي.بي النفطية بيع جزء كبير من أصولها للنفط والغاز عمق مخاوف الشركات من أن تقلبات أسعار الخام لم تعد ظرفية وإنما تكشف عن متغيرات كبيرة قد تنسحب على احتمال بلوغ العالم الذروة النفطية خصوصا مع تزايد رهانات الطاقة النظيفة وتحديات المناخ وتقليل انبعاثات الكربون.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن بي.بي تستعد لبيع جزء كبير من أصولها للنفط والغاز حتى إذا انتعشت أسعار الخام بعد الانهيار الذي تسبب فيه كوفيد – 19 لأنها تريد استثمار المزيد في الطاقة المتجددة.
أوضحت المصادر أن الاستراتيجية خضعت للنقاش خلال اجتماع للمسؤولين التنفيذيين في بي.بي في يوليو، مباشرة بعد أن خفضت شركة النفط العملاقة توقعها لسعر الخام في المدى الطويل إلى 55 دولارا للبرميل، مما يعني أن ما قيمته 17.5 مليار دولار من أصولها لم يعد ذا جدوى اقتصادية.
لكن حتى إذا عاودت أسعار الخام الصعود صوب 65 إلى 75 دولارا للبرميل، فمن المستبعد أن تعيد بي.بي إدراج تلك الأصول ضمن خططها الاستكشافية بل ستستغل تحسن أوضاع السوق لبيعها، حسبما ذكرت المصادر الثلاثة المطلعة على تفكير الشركة.
وتحتفظ شركات النفط الكبرى عادة بالأصول لفترات طويلة، حتى عندما تهوي أسعار الخام، مستهدفة تشغيل المزيد من الإنتاج منخفض الهامش عندما تتحسن أوضاع السوق.
لكن خطة التخارج الجديدة لشركة بي.بي، التي لم يُعلن عنها من قبل، ستغلق خط الرجعة على شركة الطاقة البريطانية فور بيعها أصول النفط والغاز التي توصف بأنها عالقة. ولم ترد بي.بي على طلبات للتعليق.
وتلقي الاستراتيجية الجديدة المزيد من الضوء أيضا على خطة الرئيس التنفيذي برنارد لوني لتقليص إنتاج بي.بي من النفط والغاز 40 في المئة، أي ما لا يقل عن مليون برميل يوميا، بحلول 2030 بالتزامن مع توسع في الطاقة المتجددة.
وقال مصدر في بي.بي “المسألة مسألة حساب بسيط للتراجع الطبيعي في الإنتاج والتخارج المزمع”، موضحا كيف أصبحت بي.بي أول شركة نفط كبيرة تتعهد بخفض كبير على إنتاجها من الخام.
وعلى مدى عقود، ظلت بي.بي ومنافسون مثل رويال داتش شل وإكسون موبيل يعدون المستثمرين بأن الإنتاج سيواصل الزيادة.
لكن في ظل الضغوط التي تواجهها الصناعة من نشطاء المناخ والمستثمرين والبنوك وبعض الحكومات للحد من الانبعاثات من أجل المساهمة في خفض درجة حرارة الكوكب، فإن شركات النفط الأوروبية تغيّر نهجها وتتعهد باستثمار المزيد في مصادر الطاقة المتجددة.
في المقابل، يواجه المنافسون الأميركيون ضغوطا حكومية أقل ولم يقدموا تعهدات مماثلة بشأن المصادر المتجددة.
وكان برنارد لوني قال في وقت سابق هذا الأسبوع “عندما نتفقد توقعات بي.بي للأعوام القليلة المقبلة ونرى الإنتاج يتراجع 40 في المئة فمن الواضح أننا لم نعد نحتاج إلى التنقيب لتمويل نمو جديد لن ندخل دولا جديدة للقيام بأعمال استكشاف”.
وقال إن بي.بي ستواصل التنقيب عن النفط قرب بنيتها الإنتاجية القائمة لأن تلك البراميل ستكون منخفضة التكلفة وستساعد على تعزيز التدفقات النقدية للشركة من أجل تمويل التحول صوب الطاقة النظيفة.
وتجمع أبحاث وتقارير دولية أنه من المحتمل أن تكون أزمة فايروس كورونا قد تسببت في إحداث التغيير المتوقع منذ فترة طويلة في ميزان الطلب على النفط وأن يكون هذا التحول قد أصبح محور التفكير داخل منظمة أوبك.
وقد خفضت الجائحة الاستهلاك اليومي من النفط الخام بمقدار الثلث هذا العام في وقت تعمل فيه زيادة استخدام السيارات الكهربائية والتحول إلى مصادر للطاقة المتجددة على تخفيض التوقعات للطلب على النفط في الأجل الطويل.
ودفع ذلك بعض المسؤولين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، أقوى نصير للنفط منذ تأسيسها قبل 60 عاما، إلى التساؤل عما إذا كان انهيار الطلب الذي شهده العالم هذا العام يؤذن بتحول دائم وعن أفضل السبل لإدارة الإمدادات إذا كان عصر النفط يقترب من نهايته.
وشهدت النسبة المئوية لنصيب النفط من مزيج الطاقة العالمي انكماشا مطردا في العقود الأخيرة إذ تراجعت من نحو 40 في المئة في 1994 إلى 33 في المئة في 2019 وذلك رغم ارتفاع حجم الاستهلاك مع زيادة أعداد السيارات ونمو حركة السفر جوا وصناعة البتروكيماويات التي تزايد إنتاجها من مواد البلاستيك وغيرها.
وربما يكون هذا الوضع في سبيله للتغير الآن مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية والمشاكل التي تواجهها صناعة الطيران للتعافي من تداعيات الجائحة.
ولا يتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) الوصول مرة أخرى إلى مستويات التشغيل لعام 2019 إلا في 2023 على أقرب تقدير.
وتعد ممارسات حرق الغاز المصاحبة لعمليات استخراج النفط من التحديات المتواصلة التي تواجه الدول المنتجة للنفط، وتضعها في مأزق شديد، حيث التعدي الصارخ على البيئة، وما يترتب عليه من تضخم في تكلفة الأمراض، وإشكاليات التغيرات المناخية، نتيجة زيادة انبعاث الغازات الدفيئة.
ومع القيود والإجراءات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا الأشهر الماضية، تأكد أن العالم يعيش وسط نسبة عالية من الغازات السامة، حيث كشفت الكثير من الإحصائيات حجم التراجع في الانبعاثات الغازية بعد بقاء الناس في البيوت وتراجع استخدام المركبات والطائرات، وتوقف عدد كبير من المصانع عن العمل.
بي.بي ستواصل التنقيب قرب بنيتها الإنتاجية لأن ذلك سيساعد على تمويل تحولات الطاقة النظيفة
وتمتد التحديات لتشمل جملة من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إهدار الغاز عبر التخلص منه حرقا في الهواء، بدلا من تعظيم الاستفادة من مورد طبيعي يعزز عمليات التنمية ويجني المجتمع ثماره.
وأوضحت بيانات الأقمار الصناعية أن معدلات حرق الغاز عالميا صعدت إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، وبلغت نحو 150 مليار متر مكعب، أي ما يعادل إجمالي استهلاك الغاز السنوي في أفريقيا جنوب الصحراء بالكامل.
وتشير التقديرات إلى أن نسبة حرق الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصل إلى نحو 50 مليار متر مكعب سنويا، ما يجعلها ثاني منطقة في العالم، بعد روسيا ومنطقة بحر قزوين، وتبلغ حوالي 60 مليار متر مكعب.
وتصل كمية الغاز المتوهج في الشرق الأوسط وحده إلى حوالي 30 مليار متر مكعب، يمكن أن تغذي 20 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال.
وأشار البنك الدولي إلى أن بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت من حرق الغاز خلال الـ12 عاما الماضية بشكل كبير، الأمر الذي يستلزم حفزها لتقليل حجم الظاهرة.
وفاقمت من حجم المشكلة زيادة معدلات حرق الغاز في البلدان الهشة أو المتأثرة بالصراعات السياسية، ففي سوريا قفزت المعدلات بنحو 35 في المئة، رغم عدم زيادة إنتاج النفط، وفي فنزويلا ارتفعت النسبة بنحو 16 في المئة.
وفي الوقت الراهن، يضع الاتحاد الأوروبي نصب عينيه هدفاً رئيسياً يتمثل في خفض التلوث خلال العقود القادمة، وتنوي العديد من الدول الساعية إلى الالتزام بهذا الهدف، إغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم. وفي المملكة المتحدة تخطط الحكومة لوقف استخدام الفحم في توليد الكهرباء بحلول عام 2025.
وهناك قصص مشابهة في مناطق أخرى في العالم؛ فالكثير من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، تبتعد عن استخدام الفحم في وقت تصبح فيه أنواع وقود أخرى أرخص ثمناً، فضلاً عن كساد مادة الفحم في أسواق المال العالمية بسبب الإجراءات التي تتخذ لحماية البيئة والمحافظة عليها من التلوث.
ورغم إغلاق الصين لأكثر من 100 محطة تعمل بالفحم، إلا أنها ما زالت تعتمد بصورة كبيرة على الفحم في حاجتها إلى الكهرباء. كما قررت ألمانيا إغلاق جميع محطات الطاقة النووية لديها، وتحصل حالياً على أكثر من خمس طاقتها من الفحم، بما في ذلك الليغنيت، وهو نوع من الفحم يسبب قدرا أكبر من التلوث.
عن «العرب»
المصدر : https://translogisinfo.com/?p=6980