لندن/بيروت – رويترز: قد يكون لبنان على وشك تلقي مساعدات عاجلة غير مشروطة بقيمة 298 مليون دولار بعد انفجار مرفأ بيروت، لكن ما يحتاجه لإعادة بناء اقتصاده المتداعي، والذي تشير تقديرات البعض إلى أنه قد يزيد على 30 مليار دولار، لن يأتي دون إصلاح.
وقد تعرقل استقالة حكومة لبنان مثل هذا التغيير، في حين أنه من المُرجَّح أن تخضع خطة إنقاذ مالي وُضعت في أبريل/نيسان للمراجعة، بل وقد تتخلى عنها الإدارة الجديدة، حسبما قاله مصدران ماليان مُطَّلِعان على الخطة. وأضاف أحد المَصدرين أن خطة الإنقاذ، والتي كان دعمها متعثراً أصلاً قبل الانفجار الدامي الذي وقع الأسبوع الماضي، تتضمن توقعات لم تعد واقعية لمقاييس مالية مثل نسبة الدَين إلى إجمالي الناتج المحلي وسعر الصرف في السوق الموازية.
وسيقوض ذلك على الأرجح محادثات مع الدائنين لإعادة هيكلة دَين لبنان السيادي الخارجي.
وكان لبنان قد بدأ في مايو/أيار محادثات بشأن خطة إنقاذ مع «صندوق النقد الدولي» بعد تعثره في سداد ديونه بالعملة الأجنبية. لكنها جُمدت بسبب عدم إحراز تقدم على صعيد الإصلاحات ولوجود خلافات بشأن حجم الخسائر المالية.
وفي حين مازالت حكومة رئيس الوزراء حسان دياب مستمرة كحكومة تسيير أعمال بعد استقالتها، من المنتظر أن يتسارع تناقص احتياطيات لبنان من النقد الأجنبي الضئيلة بالفعل بسبب الإنفاق على إعادة بناء مرفأ بيروت وبُنى تحتية أخرى.
لذا سيكون وضع خطة اقتصادية ذات مصداقية هو الاختبار الحقيقي لمن ستؤول إليه قيادة لبنان الذي يواجه انحداراً في صافي تدفقات رؤوس الأموال في ظل تهافت متزايد على العملة الصعبة.
وقال كارلوس عبادي، مستشار «جمعية مصارف لبنان»، أن «المقياس الأمثل لقدرة الحكومة سيكون الخطة الاقتصادية التي تضعها.»
وتشير تقديرات غاربيس إيراديان، من «معهد التمويل الدولي»، إلى أنه في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب، زادت احتياجات لبنان من التمويل الخارجي للأعوام الأربعة المقبلة إلى أكثر من 30 مليار دولار من 24 ملياراً.
وقال عبادي «للتغلب على حق النقض الذي تملكه الولايات المتحدة في صندوق النقد، سيكون على الحكومة المقبلة إيجاد خطة تركز على وضع الاقتصاد على مسار للنمو في المستقبل دون إمكانية تحويل المليارات لأغراض إجرامية.»
وجدد الصندوق التأكيد على دعمه للبنان يوم الأحد الماضي قبل أن تستقيل الحكومة، لكنه أكد أيضا على الحاجة للإصلاحات، وهي النقطة التي ركز عليها الرئيس الفرنسي إيمانويل مارون الأسبوع الماضي.
ومع اقتراب عدد اللبنانيين الذين يعيشون في فقر من نصف عدد السكان، تتنوع هذه الإصلاحات من بناء شبكات أمان اجتماعي لحماية الأكثر ضعفاً، إلى ضمان مشاركة النُخبة الثرية في عبء الخسائر المالية الناجمعة عن إعادة رسملة البنوك.
ودعا ماكرون إلى تدقيق حسابات البنك المركزي والنظام المصرفي، وهو التعليق الذي أثار قلق بعض المصرفيين الذين يخشون من أن تستخدم الحكومة البيانات لإعفاء «العائلة والأصدقاء».
وقال عضو البرلمان الفرنسي لويك كيرفران، رئيس لجنة الصداقة اللبنانية الفرنسية، أن مثل هذا التدقيق سيهدف إلى الكشف عن ممارسات «غير قويمة» قد تكون أدت إلى الخسائر.
وتعهد الرئيس ميشال عون أمس الأول بألا تعطل استقالة الحكومة عملية التدقيق في حسابات البنك المركزي.
ويساور بعض الدول القلق بشكل خاص من تأثير إيران من خلال حزب الله الذي ساهم في تشكيل حكومة دياب والذي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
وقال الخبير الاقتصادي توفيق جاسبارد إنه ما دام أن حزب الله يسيطر على مفاصل السلطة، فإن التعافي الاقتصادي لن تقوم له قائمة، إذ أنه لن يوافق على إصلاحات مثل فرض ضوابط حدودية وجمركية.
وأضاف جاسبارد الذي عمل مستشارا لصندوق النقد ووزارة المالية اللبنانية «هذا سيف دموقليس معلق فوق رؤوس الجميع… إذ لم يعالَج هذا الوضع، فلا يمكنني توقع كيف يمكن أن نحصل على حل مستدام.»
وقال إيراديان، من «معهد التمويل الدولي» أنه في غضون ذلك، وفي ظل محدودية دعم التمويل الخارجي وزيادة التضخم وتهاوي سعر صرف الليرة في السوق الموازية إلى 9290 للدولار الأمريكي بحلول 2021 وفق أسوأ التصورات، فسيواصل لبنان السقوط.
وأخطر مصرف لبنان المركزي البنوك المحلية بتقديم قروض بفائدة صفرية بالدولار الأمريكي للمتضررين من الانفجار للقيام بإصلاحات، وهو ما يقول المحللون إنه سيأتي من الاحتياطيات الرسمية.
وقال نافذ صاووك، من «أوكسفورد إيكونوميكس» الاستشارية في لندن، إن الاحتياطيات قد تقل ستة أو سبعة مليارات دولار في نهاية 2020 من نحو 18 مليار دولار. وتابع «سيستنفد لبنان الاحتياطيات القابلة للاستخدام.»
مرفأ طرابلس يستعد لينوب مؤقتاً عن مرفأ بيروت المنكوب
طرابلس – أ ف ب: يستعد مرفأ طرابلس في شمال لبنان لينوب موقتاً عن مرفأ بيروت المدمر، رغم أن قدرته الاستيعابية أقل بكثير من المنشأة الأساسية في العاصمة، التي كانت تُعد البوابة الرئيسية للاستيراد في بلد صغير يؤمن معظم احتياجاته من الخارج.
ومباشرة بعد وقوع الانفجار الدامي، غيّرت سبع بواخر كانت في طريقها إلى بيروت مسارها إلى مرفأ طرابلس، ثاني أكبر مرافئ لبنان، لتفريغ حمولتها. وأوصى المجلس الأعلى للدفاع بتجهيز مرفأ طرابلس سريعاً «لتأمين العمليات التجارية من استيراد وتصدير».
ويقول مدير مرفأ طرابس أحمد تامر «يُمكن لمرفأ طرابلس أن ينوب لفترة مؤقتة عن مرفأ بيروت، إلى حين استعادة عافيته، وعودة دورة العمل إليه». ويستقبل مرفأ طرابلس الذي تبلغ مساحته ثلاثة ملايين متر مربع، وفق تامر، كافة البضائع بينها القمح، باستثناء المواد البترولية.
وخلال الأسبوع الأخير تحوّل المرفأ، الذي بقي خلال عقود يعاني من إهمالٍ متمادٍ من الحكومات المتعاقبة، أشبه بخلية نحل. ويعقد مديره اجتماعاً تلو الآخر، ويتجوّل مسؤولون محليون وأجانب في أقسامه وبين عنابره، بينما يعمل موظفوه 18 ساعة يومياً وسط اجراءات أمنية مشدّدة.
ويسعى الائمون على المرفأ حالياً إلى زيادة ساعات تشغيله حتى 24 ساعة يومياً، لسدّ النقص جراء خروج مرفأ بيروت من الخدمة عقب انفجار الرابع من الشهر الحالي الذي أوقع 171 قتيلاً وأكثر من 6500 جريح. ورغم الدمار الكبير الذي لحق به ورغم استمرار عمليات البحث عن مفقودين، إلا أن بعض الأقسام في مرفأ بيروت ما زالت قيد الخدمة، وفق تصريحات مسؤولين لبنانيين.
وذكر وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة خلال جولة أمس الأول مع وزيري الاشغال والدفاع داخل المرفأ أن 12 رافعة تعمل من أصل 16 في مرفأ بيروت، مضيفاً «يعمل المرفأ الآن كي تفرغ البواخر حمولتها ويأتي التجار لأخذ بضاعتهم».
وقبل الانفجار، جرت العادة أن يستقبل مرفأ طرابلس مليوني طن سنوياً بينما تصل قدرته الاستيعابية إلى خمسة ملايين طن، أيّ أنه يعمل فقط «بأربعين في المئة من قدرته» وفق تامر. ويستقبل سنوياً 80 ألف حاوية فيما تبلغ قدرته الاستيعابية 300 ألف.
ويشهد مرفأ طرابلس منذ أشهر ورشة لتوسيعه ورفع قدرته التشغيلية، كان هدفها أساساً أن يتحول إلى مرفأ أساسي لمرور البضائع الضرورية إلى سوريا خصوصاً في مرحلة إعادة الاعمار نظراً لقربه الجغرافي من سوريا.
ولرفع جهوزية المرفأ وتوسيع نطاق خدماته، لا بدّ من تفعيل «المنطقة الاقتصادية»، وفق تامر، وكذلك الترانزيت إلى دول مجاورة بينها سوريا.
و»المنطقة الاقتصادية» التي تم تأسيسها عام 2008 من دون أن يبدأ العمل بها كانت قد أحيت الآمال بمساهمتها في إنعاش مدينة طرابلس، حيث كان 57 في المئة من سكانها يعيشون عند خط الفقر أو دونه، حسب الأمم المتحدة عام 2015. ويُرجّح أن تكون النسبة قد ارتفعت على وقع الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بلبنان منذ خريف 2019. ويستورد لبنان أكثر من 85 في المئة من مواده الغذائية. وحذر «برنامج الغذاء العالمي» التابع للأمم المتحدة من أن يؤدي الانفجار إلى «تفاقم الوضع الاقتصادي والغذائي المتردي بالفعل» في البلاد.
وبعد انفجار مرفأ بيروت، تم تداول اقتراح بناء أهراءات (صوامع) حبوب في مرفأ طرابلس، على مساحة تبلغ 36 ألف متر مربع، وسط خشية اللبنانيين من انقطاع الخبز في بلد يعاني أساساً من غلاء الأسعار بعد انهيار اهراءات مرفأ بيروت.
واعتبر تامر أن «البلد الذي لا يملك اهراءات للقمح، يكون مستهدفاً وعرضة للتجويع».
ويوم الثلاثاء الماضي تفقد دايفيد بيزلي، المدير التنفيذي لـ»برنامج الغذاء العالمي» مرفأ طرابلس. وأعلن أنه سيتم احضار 17500 طن من الطحين إلى لبنان.
وإلى جانب مرفأ طرابلس، أفرغت باخرتان تجاريتان تحملان 11500 طن من القمح حمولتهما في مرفأ صيدا، الذي يتوقع أن يتحمّل كذلك جزءاً من العبء عن مرفأ بيروت، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للاعلام.
المصدر : https://translogisinfo.com/?p=7201